
سَرِقَةُ الْمَجَوْهَرَاتِ الْمَلَكِيَّةِ
فِي إِحْدَى لَيَالِي شِتَاءِ عَامِ أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، دَاخِلَ الْقَصْرِ الْمَلَكِيِّ الشَّهِيرِ بِالْعَاصِمَةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ لَنْدَنَ، وَتَحْدِيدًا فِي قَاعَةِ الْكُنُوزِ الْمَلَكِيَّةِ، حَدَثَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُسْبَانِ. جَرِيمَةُ سَرِقَةٍ اهْتَزَّتْ لَهَا أَرْجَاءُ الْمَمْلَكَةِ، وَوَضَعَتِ الْعَائِلَةَ الْمَلَكِيَّةَ فِي دَائِرَةِ الشَّكِّ. مَنْ كَانَ الْجَانِي؟ وَهَلْ كَانَتْ خِيَانَةً مِنْ دَاخِلِ الْقَصْرِ؟ اسْتَعِدُّوا لاكْتِشَافِ الْقِصَّةِ الْكَامِلَةِ.
فِي قَلْبِ لَنْدَنَ، كَانَ الْقَصْرُ الْمَلَكِيُّ يَقِفُ شَامِخًا كَرَمْزٍ لِلسُّلْطَةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ. دَاخِلَ جُدْرَانِهِ، وَفِي غُرْفَةٍ مَعْرُوفَةٍ بِاسْمِ غُرْفَةِ الْكُنُوز، كَانَتْ تُحْفَظُ الْمَجَوْهَرَاتُ الْمَلَكِيَّةُ. هَذِهِ الْقِطَعُ النَّادِرَةُ، الَّتِي تَعُودُ إِلَى قُرُونٍ، تَحْمِلُ فِي بَرِيقِهَا تَارِيخَ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ.
تَاجُ الْمَلِكَةِ الْمُزَخْرَفُ بِالْأَلْمَاسِ، وَالْقِلَادَةُ الَّتِي ارْتَدَتْهَا الْمَلِكَةُ فِيكْتُورْيَا فِي حَفْلِ تَتْوِيجِهَا، وَالسِّوَارُ الَّذِي مَرَّ عَبْرَ الْأَجْيَالِ… كُلُّهَا كَانَتْ تُعْرَضُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ الْمَلَكِيَّةِ وَتُحْفَظُ خَلْفَ أَبْوَابٍ حَدِيدِيَّةٍ فِي بَاقِي الْأَوْقَاتِ.
لَكِنْ فِي لَيْلَةِ الْخَامِسِ مِنْ يَنَايِرَ عَامِ أَلْفٍ وَتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، تَجَرَّأَ أَحَدُهُمْ عَلَى اخْتِرَاقِ هَذَا الْحِصْنِ الْمَنِيعِ وَسَرِقَةِ جُزْءٍ مِنْ هَذَا الْإِرْثِ التَّارِيخِيِّ. لَمْ تَكُنِ السَّرِقَةُ مُجَرَّدَ جَرِيمَةٍ عَادِيَّةٍ. كَانَتْ إِعْلَانًا صَامِتًا عَنْ وُجُودِ خِيَانَةٍ دَاخِلَ أَرْوِقَةِ الْقَصْرِ.
كَانَتِ السَّاعَةُ تُشِيرُ إِلَى الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لَيْلًا عِنْدَمَا غَطَّى الضَّبَابُ شَوَارِعَ لَنْدَنَ. دَاخِلَ الْقَصْرِ، كَانَتِ الْعَائِلَةُ الْمَلَكِيَّةُ مَشْغُولَةً بِحَفْلِ عَشَاءٍ فَاخِرٍ حَضَرَهُ نُبَلَاءُ الْمَمْلَكَةِ وَسُفَرَاءُ الدُّوَلِ الْأَجْنَبِيَّةِ. الْأَضْوَاءُ تَمْلَأُ قَاعَاتِ الْقَصْرِ، وَالْمُوسِيقَى تَعْلُو، لَكِنْ فِي أَحَدِ أَرْكَانِ الْمَبْنَى، كَانَتْ هُنَاكَ ظِلَالٌ تَتَحَرَّكُ بِصَمْتٍ.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي انْقَطَعَتْ فِيهَا الْأَنْوَارُ بِشَكْلٍ مُفَاجِئٍ عَنْ جُزْءٍ مِنَ الْقَصْرِ، تَرَاجَعَ الْحُرَّاسُ عَنْ مَوَاقِعِهِمْ لِلتَّحَقُّقِ مِنَ الْخَلَلِ. اسْتَغْرَقَتِ الْعَوْدَةُ إِلَى الْوَضْعِ الطَّبِيعِيِّ أَقَلَّ مِنْ عَشْرِ دَقَائِقَ، لَكِنَّهَا كَانَتْ كَافِيَةً لِحُدُوثِ الْجَرِيمَةِ.
عِنْدَمَا تَفَقَّدَ أَحَدُ الْحُرَّاسِ غُرْفَةَ الْكُنُوزِ بَعْدَ عَوْدَةِ الْأَنْوَارِ، اكْتَشَفَ الْكَارِثَةَ. أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ كَانَتْ مَفْتُوحَةً، وَالْمَجَوْهَرَاتُ الْمَلَكِيَّةُ… اخْتَفَتْ!
مَعَ حُلُولِ الصَّبَاحِ، كَانَ الْقَصْرُ الْمَلَكِيُّ أَشْبَهَ بِخَلِيَّةِ نَحْلٍ. الْمَلِكُ أَمَرَ بِإِغْلَاقِ جَمِيعِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ وَعَدَمِ السَّمَاحِ لِأَحَدٍ بِالْمُغَادَرَةِ. تَوَلَّى التَّحْقِيقَ فَرِيقٌ خَاصٌّ بِقِيَادَةِ الْكُولُونِيلِ إِدْوَارْد لِينْش ، الْمُحَقِّقِ الْأَشْهَرِ فِي الْمَمْلَكَةِ، الْمَعْرُوفِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى فَكِّ أَصْعَبِ الْقَضَايَا.
كَانَ الْكُولُونِيلُ لِينْش أَوَّلَ مَنْ لَاحَظَ نُقْطَةً مُهِمَّةً: السَّرِقَةُ لَمْ تَكُنْ عَمَلًا عَشْوَائِيًّا. كَانَ الْجَانِي يَعْرِفُ تَمَامًا مَوَاقِعَ الْخَزَائِنِ، وَكَلِمَاتِ الْمُرُورِ، وَجَدْوَلَ تَحَرُّكَاتِ الْحُرَّاسِ. هَذَا يَعْنِي شَيْئًا وَاحِدًا… الْجَرِيمَةُ تَمَّتْ بِمُسَاعَدَةٍ مِنَ الدَّاخِلِ.
بِدَأَتِ التَّحْقِيقَاتُ تَضِيقُ الْخِنَاقَ عَلَى الْمُشْتَبَهِ بِهِمْ. أَحَدُ الْحُرَّاسِ، وَيُدْعَى تُومَاس كْرَافِن ، كَانَ قَدْ غَابَ عَنْ مَوْقِعِهِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَثْنَاءَ انْقِطَاعِ الْكَهْرَبَاءِ. لَدَى اسْتِجْوَابِهِ، بَدَا عَلَيْهِ الِارْتِبَاكُ. قَالَ إِنَّهُ ذَهَبَ لِلتَّحَقُّقِ مِنْ عُطْلٍ فِي أَحَدِ الْأَجْهِزَةِ، وَلَكِنَّ تَبَادُلَ النَّظَرَاتِ بَيْنَ الْمُحَقِّقِينَ وَكَلِمَاتِهِ الْمُبْتَوَرَةِ أَثَارَا الشُّكُوكَ.
أَثْنَاءَ تَفْتِيشِ غُرْفَةِ تُومَاس، عُثِرَ عَلَى قِطْعَةِ قُمَاشٍ تَحْمِلُ نَفْسَ النَّقْشِ الَّذِي كَانَ يُزَيِّنُ أَحَدَ صَنَادِيقِ الْمَجَوْهَرَاتِ الْمَسْرُوقَةِ. هَذِهِ الْقِطْعَةُ كَانَتْ أَوَّلَ دَلِيلٍ مَادِّيٍّ يَرْبِطُهُ بِالْجَرِيمَةِ. وَعِنْدَمَا وُاجِهَ بِهَا، انْهَارَ تُومَاس وَاعْتَرَفَ.
قَالَ تُومَاس: لَسْتُ أَنَا الْعَقْلَ الْمُدَبِّرَ. أَنَا فَقَطْ تَبِعْتُ الْأَوَامِرَ… أَلْكَسَنْدَر فِيلِيبْس هُوَ مَنْ خَطَّطَ لِكُلِّ شَيْءٍ.
كَانَ هَذَا الِاعْتِرَافُ صَادِمًا. أَلْكَسَنْدَر فِيلِيبْس، أَحَدُ أَقْرَبِ مُسْتَشَارِي الْمَلِكِ، كَانَ يُعْتَبَرُ شَخْصًا مَوثُوقًا لِلْغَايَةِ.
تَوَجَّهَ فَرِيقُ التَّحْقِيقِ إِلَى مَكْتَبِ أَلْكَسَنْدَر دَاخِلَ الْقَصْرِ. أَثْنَاءَ تَفْتِيشِ الْمَكْتَبِ، وُجِدَتْ مَذْكِرَةٌ مَخْفِيَّةٌ تَحْتَ الْمَكْتَبِ. كَانَتْ تَحْتَوِي عَلَى رُمُوزٍ وَإِشَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَوْقَاتٍ دَقِيقَةٍ لِتَحَرُّكَاتِ الْحُرَّاسِ، إِضَافَةً إِلَى رَسْمٍ مُبَسَّطٍ لِغُرْفَةِ الْكُنُوزِ.
عِنْدَمَا وُاجِهَ أَلْكَسَنْدَر بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ، أَنْكَرَ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْمَذْكِرَةَ زُرِعَتْ فِي مَكْتَبِهِ بِقَصْدِ تَلْفِيقِ التُّهْمَةِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ، ظَهَرَ شَاهِدٌ جَدِيدٌ.
الْخَادِمُ جِيمْس كُولْتِر أَدْلَى بِاعْتِرَافٍ صَادِمٍ. قَالَ: شَاهَدْتُ أَلْكَسَنْدَر يُعْطِي تَعْلِيمَاتٍ لِتُومَاس فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَحْدَهُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ هُنَاكَ.
عِنْدَمَا وَاصَلَ الْمُحَقِّقُونَ التَّحْقِيقَ، اتَّضَحَ أَنَّ أَلْكَسَنْدَر كَانَ يُخَطِّطُ لِلْهَرَبِ إِلَى دَوْلَةٍ أُورُوبِيَّةٍ وَبَدْءِ حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ بِالثَّرْوَةِ الَّتِي سَيَجْنِيهَا.
بَعْدَ مُوَاجَهَةِ أَلْكَسَنْدَر بِكُلِّ الْأَدِلَّةِ، انْهَارَ أَخِيرًا وَاعْتَرَفَ بِخَطَّتِهِ. قَالَ إِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْخُطَّةَ كَانَتْ مُحْكَمَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَحْسِبْ أَنَّ انْقِطَاعَ الْأَنْوَارِ الْمُفَاجِئَ سَيُسَبِّبُ تَسْرِيعَ التَّنْفِيذِ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُنَظَّمٍ، مِمَّا أَدَّى إِلَى تَرْكِ أَدِلَّةٍ وَرَاءَهُمْ.
فِي الْمُحَاكَمَةِ الَّتِي اسْتَمَرَّتْ أَسَابِيعَ، أُدِينَ أَلْكَسَنْدَر بِتُهْمَةِ الْخِيَانَةِ الْعُظْمَى وَسَرِقَةِ مُقْتَنَيَاتٍ مَلَكِيَّةٍ. صَدَرَ الْحُكْمُ بِسَجْنِهِ مُدَى الْحَيَاةِ، بَيْنَمَا حَصَلَ تُومَاس كْرَافِن عَلَى عُقُوبَةٍ مُخَفَّفَةٍ بِسَبَبِ تَعَاوُنِهِ مَعَ التَّحْقِيقِ.
رُغْمَ أَنَّ مُعْظَمَ الْمَجَوْهَرَاتِ الْمَلَكِيَّةِ قَدْ عَادَتْ إِلَى مَكَانِهَا، بَقِيَتْ الْقَضِيَّةُ تُرَاوِدُ ذَاكِرَةَ الْمَمْلَكَةِ لِسَنَوَاتٍ. كَانَتْ قِصَّةَ خِيَانَةٍ وَجَشَعٍ، قَصَّةً أَثْبَتَتْ أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ يَكُونُ أَقْرَبَ مِمَّا نَظُنُّ.
حَتَّى الْيَوْمِ، يَبْقَى السُّؤَالُ: هَلْ كَانَ أَلْكَسَنْدَر هُوَ الْعَقْلَ الْمُدَبِّرَ الْوَحِيدَ؟ أَمْ أَنَّ هُنَاكَ أَيْدِيَ خَفِيَّةً لَمْ تُكْتَشَفْ؟