فِي إِحْدَى أَحْيَاءِ المُقَطَّم، حَيْثُ الحَيَاةُ اليَوْمِيَّةُ تَبْدُو هَادِئَةً، وَقَعَتْ جَرِيمَةٌ هَزَّتِ الجَمِيعَ. شَابٌّ يُقْتَلُ فِي ظُرُوفٍ غَامِضَةٍ، وَالصِّرَاعُ العَائِلِيُّ خَلْفَ الجُدْرَانِ يَكْشِفُ عَنْ أَسْرَارٍ لَا تُصَدَّقُ. مَنْ القَاتِلُ؟ وَلِمَاذَا حَدَثَتِ الجَرِيمَةُ؟ انْضَمُّوا إِلَيْنَا لِنَغُوصَ فِي تَفَاصِيلِ هَذِهِ القَضِيَّةِ المَأْسَاوِيَّةِ الَّتِي صَدَمَتِ المُجْتَمَعَ.
القِصَّةُ تَبْدَأُ مَعَ عَائِلَةٍ تُعْرَفُ بِأَنَّهَا مِنْ أَقْدَمِ العَائِلَاتِ فِي حَيِّ المَقْطَمِ. الأَبُ مَحْمُودٌ ، رَجُلٌ صَارِمٌ عُرِفَ بِقَسْوَتِهِ عَلَى أَبْنَائِهِ وَسَعْيِهِ الدَّائِمِ لِلسَّيْطَرَةِ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ دَاخِلَ البَيْتِ. كَانَ مَحْمُودُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ الانْضِبَاطَ وَالقُوَّةَ هُمَا مِفْتَاحُ النَّجَاحِ، وَلَكِنَّ أُسْلُوبَهُ القَاسِي أَدَّى إِلَى ظُهُورِ صِرَاعَاتٍ خَفِيَّةٍ بَيْنَ أَبْنَائِهِ الثَّلَاثَةِ.
الابْنُ الأَكْبَرُ ‘طَارِقُ’، رَجُلٌ فِي أَوَائِلِ الثَّلَاثِينِيَّاتِ مِنْ عُمْرِهِ، كَانَ دَائِمًا يَرَى نَفْسَهُ وَرِيثًا طَبِيعِيًّا لِسُلْطَةِ الأَبِ. طَارِقُ كَانَ ذَكِيًّا وَنَاجِحًا فِي عَمَلِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَسَلِّطًا وَمُتَعَالِيًا عَلَى بَقِيَّةِ أَفْرَادِ العَائِلَةِ. طَبِيعَتُهُ القِيَادِيَّةُ جَعَلَتْهُ دَائِمًا فِي صِرَاعٍ مَعَ شَقِيقِهِ الأَوْسَطِ ‘سَامِي .
أَمَّا سَامِي ، الابْنُ الأَوْسَطُ، فَكَانَ مُخْتَلِفًا تَمَامًا. شَابٌّ عَاطِفِيٌّ وَحَسَّاسٌ، دَائِمًا مَا شَعَرَ بِأَنَّهُ فِي الظِّلِّ مُقَارَنَةً بِشَقِيقِهِ الأَكْبَرِ. كَانَ سَامِي يَرَى طَارِقَ مُغْرُورًا، بَيْنَمَا كَانَ طَارِقُ يَرَى سَامِي ضَعِيفًا وَغَيْرَ جَدِيرٍ بِالثِّقَةِ. هَذَا التَّبَايُنُ فِي شَخْصِيَّاتِهِمَا أَدَّى إِلَى نِزَاعَاتٍ مُتَكَرِّرَةٍ، حَيْثُ كَانَ سَامِي يَسْعَى لِإِثْبَاتِ نَفْسِهِ، بَيْنَمَا كَانَ طَارِقُ دَائِمًا يُحَاوِلُ التَّقْلِيلَ مِنْ شَأْنِهِ.
أَحَدُ أَسْبَابِ الخِلَافَاتِ المُتَكَرِّرَةِ بَيْنَ الأَخَوَيْنِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِتَعَامُلِ الأَبِ مَعَهُمَا. مَحْمُودُ كَانَ يُمَنِّحُ طَارِقَ مَسْؤُولِيَّاتٍ كَبِيرَةً وَيُفَضِّلُ رَأْيَهُ فِي كُلِّ الأُمُورِ، بَيْنَمَا كَانَ يَصِفُ سَامِي بِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ. هَذِهِ التَّفْرِقَةُ أَشْعَلَتْ نَارَ الغَيْرَةِ بَيْنَ الأَخَوَيْنِ وَجَعَلَتْ كُلَّ قَرَارٍ يُتَّخَذُ دَاخِلَ العَائِلَةِ نُقْطَةَ صِرَاعٍ جَدِيدَةٍ.
أَمَّا نُورُ ، الأُخْتُ الصُّغْرَى، فَكَانَتْ شَخْصِيَّةً هَادِئَةً وَمُنْطَوِيَةً. رَغْمَ أَنَّهَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ سَامِي وَتَتَعَاطَفُ مَعَهُ بِسَبَبِ مَعَانَاتِهِ مَعَ طَارِقَ، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ دَائِمًا حَرِيصَةً عَلَى البَقَاءِ بَعِيدَةً عَنِ الصِّرَاعَاتِ المُبَاشِرَةِ. نُورُ كَانَتْ تُعْتَبَرُ مَصْدَرَ التَّوَازُنِ فِي العَائِلَةِ، وَلَكِنَّ عَلاقَاتِهَا كَانَتْ مُتَوَتِّرَةً أَحْيَانًا، خُصُوصًا مَعَ طَارِقَ، الَّذِي كَانَ يَرَى أَنَّهَا تَمِيلُ إِلَى سَامِي بِشَكْلٍ وَاضِحٍ.
رَغْمَ طَبِيعَتِهَا الهَادِئَةِ، كَانَتْ نُورُ تَحْمِلُ فِي دَاخِلِهَا الكَثِيرَ مِنَ المَشَاعِرِ المَكْبُوتَةِ. عَلاقَتُهَا بِزَوْجِهَا عِصَامٍ كَانَتْ أَيْضًا مَلِيئَةً بِالتَّوَتُّرَاتِ، مِمَّا جَعَلَهَا تَبْحَثُ عَنْ أَيِّ وَسِيلَةٍ لِلهُرُوبِ مِنْ ضُغُوطِ العَائِلَةِ.
فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، اشْتَعَلَ خِلَافٌ كَبِيرٌ دَاخِلَ العَائِلَةِ بِسَبَبِ مِيرَاثِ قِطْعَةِ أَرْضٍ تَخُصُّ الأَبَ. طَارِقُ كَانَ يَرَى أَنَّهُ الأَحَقُّ بِهَا بِاعْتِبَارِهِ الأَكْبَرَ، بَيْنَمَا سَامِي رَفَضَ هَذَا الادِّعَاءَ وَأَصَرَّ عَلَى حَقِّ الجَمِيعِ فِي المِيرَاثِ بِالتَّسَاوِي. الشِّجَارُ الَّذِي بَدَأَ بِالكَلِمَاتِ سَرْعَانَ مَا تَحَوَّلَ إِلَى تَهْدِيدَاتٍ وَوَعِيدٍ.
فِي إِحْدَى اللَّيَالِي، وَبَعْدَ مُوَاجَهَةٍ سَاخِنَةٍ بَيْنَ الأَخَوَيْنِ، قَالَ سَامِي لِطَارِقَ: ‘لَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا بِالقُوَّةِ. إِذَا كُنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَسْمَحُ لَكَ بِالاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّي، فَأَنْتَ مُخْطِئٌ! كَانَ الجَوُّ مَشْحُونًا، وَالجَمِيعُ شَعَرَ بِأَنَّ شَيْئًا مَا عَلَى وَشْكِ الحُدُوثِ.
فِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، عُثِرَ عَلَى جُثَّةِ سَامِي فِي الشَّارِعِ الخَلْفِيِّ لِمَنْزِلِ العَائِلَةِ. الشَّابُّ كَانَ مُلْقًى عَلَى الأَرْضِ، وَالدِّمَاءُ تُغَطِّي جَسَدَهُ. الجِيرَانُ هَرَعُوا إِلَى المَكَانِ، وَالشُّرْطَةُ وَصَلَتْ بِسُرْعَةٍ لِتَبْدَأَ تَحْقِيقَاتِهَا.
الأَدِلَّةُ الأَوَّلِيَّةُ كَانَتْ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ الجَرِيمَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ شُهُودٍ. بِطَبِيعَةِ الحَالِ، كَانَ طَارِقُ أَوَّلَ المُشْتَبَهِ بِهِمْ، خُصُوصًا بَعْدَ الخِلَافِ الكَبِيرِ الَّذِي دَارَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِقَةِ.
الشُّرْطَةُ بَدَأَتْ فِي اسْتِجْوَابِ أَفْرَادِ العَائِلَةِ. طَارِقُ نَفَى أَيَّ عِلَاقَةٍ بِالجَرِيمَةِ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ سَامِي مُنْذُ الخِلَافِ، وَغَادَرْتُ المَنْزِلَ لِقَضَاءِ بَعْضِ الشُّؤُونِ. لَكِنَّ كَلِمَاتِهِ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً لِإِقْنَاعِ المُحَقِّقِينَ، خُصُوصًا بَعْدَ مَا عَرَفُوا عَنْ طَبِيعَةِ الصِّرَاعِ بَيْنَهُمَا.
فِي وَسَطِ التَّحْقِيقِ، كَشَفَتِ الأُخْتُ الصُّغْرَى، نُورُ، عَنْ مَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةٍ، حِينَ قَالَتْ لِلْمُحَقِّقِينَ: لَمْ يَكُنْ الشِّجَارُ بَيْنَ طَارِقَ وَسَامِي فَقَطْ. كَانَ هُنَاكَ شَخْصٌ آخَرُ فِي المَنْزِلِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
تَصْرِيحَاتُ نُورَ أَضَافَتْ طَبَقَةً جَدِيدَةً مِنَ الغُمُوضِ. مَنْ هُوَ هَذَا الشَّخْصُ؟ وَلِمَاذَا لَمْ تَتَحَدَّثْ نُورُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ البِدَايَةِ؟
بَيْنَمَا كَانَتِ الشُّرْطَةُ تُرَكِّزُ تَحْقِيقَاتِهَا عَلَى طَارِقَ، ظَهَرَتْ أَدِلَّةٌ جَدِيدَةٌ غَيَّرَتْ مَسَارَ القَضِيَّةِ تَمَامًا. تَحْلِيلُ كَامِيرَاتِ المُرَاقَبَةِ فِي الشَّارِعِ أَظْهَرَ صُورَةَ شَخْصٍ يَغَادِرُ المَكَانَ لَيْلًا. بَعْدَ التَّدْقِيقِ، تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ لَمْ يَكُنْ طَارِقَ، بَلْ كَانَ عِصَامَ ، زَوْجَ نُورِ.
عِنْدَمَا تَمَّ اسْتِجْوَابُ عِصَامَ، حَاوَلَ الإِنْكَارَ فِي البِدَايَةِ، وَلَكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا انْهَارَ وَاعْتَرَفَ بِالحَقِيقَةِ. قَالَ: ‘لَمْ أَكُنْ أُخَطِّطُ لِقَتْلِهِ. كَانَتْ لَحْظَةَ غَضَبٍ. سَامِي كَانَ يُهَدِّدُ نُورَ، وَأَنَا لَمْ أَسْتَطِعِ التَّحَمُّلَ.
فِي اعْتِرَافَاتِهِ، قَالَ عِصَامُ: سَامِي كَانَ يَضْغَطُ عَلَيْنَا جَمِيعًا. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، سَمِعْتُهُ يَتَحَدَّثُ مَعَ نُورِ، وَيُهَدِّدُهَا بِفَضْحِ أَسْرَارٍ عَائِلِيَّةٍ تُخَصُّهَا. لَمْ أَسْتَطِعْ السَّيْطَرَةَ عَلَى نَفْسِي. ذَهَبْتُ لِمُوَاجَهَتِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَفَزَّنِي أَكْثَرَ. لَمْ أَكُنْ أُرِيدُ قَتْلَهُ، وَلَكِنَّهَا لَحْظَةُ غَضَبٍ.
بِاعْتِرَافِ عِصَامَ، أُسْدِلَ السِّتَارُ عَلَى القَضِيَّةِ الَّتِي حَيَّرَتِ الجَمِيعَ. طَارِقُ تَمَّ إِطْلَاقُ سَرَاحِهِ، وَلَكِنَّ العَلَاقَةَ دَاخِلَ العَائِلَةِ لَمْ تَعُدْ كَمَا كَانَتْ أَبَدًا. نُورُ أَصْبَحَتْ تَعِيشُ فِي عُزْلَةٍ، وَطَارِقُ غَادَرَ الحَيَّ نِهَائِيًّا.
تَمَّ الحُكْمُ عَلَى عِصَامَ بِالسِّجْنِ المُؤَبَّدِ بِتُهْمَةِ القَتْلِ العَمْدِ. أَمَّا العَائِلَةُ، فَقَدْ تَفَرَّقَتْ بِسَبَبِ هَذِهِ المَأْسَاةِ الَّتِي لَنْ تُنْسَى بِسُهُولَةٍ. القِصَّةُ تَرَكَتِ الجَمِيعَ فِي حَالَةِ صَدْمَةٍ، وَطَرَحَتْ تَسَاؤُلَاتٍ كَثِيرَةً حَوْلَ تَأْثِيرِ الصِّرَاعَاتِ العَائِلِيَّةِ عِنْدَمَا تَتَحَوَّلُ إِلَى مُوَاجَهَاتٍ عَنِيفَةٍ.
هَذِهِ القِصَّةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ جَرِيمَةٍ، وَلَكِنَّهَا دَرْسٌ لَنَا جَمِيعًا. الصِّرَاعَاتُ وَالخِلَافَاتُ قَدْ تَبْدَأُ بِأَشْيَاءِ بَسِيطَةٍ، وَلَكِنَّهَا إِذَا لَمْ تُحَلَّ بِحِكْمَةٍ، يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى كَوَارِثَ. العَائِلَةُ هِيَ المَلَاذُ الآمِنُ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا تُصْبِحُ سَاحَةَ حَرْبٍ، فَلَا أَحَدَ يَخْرُجُ مِنْهَا مُنْتَصِرًا.
شَارِكُونَا آرَاءَكُمْ: كَيْفَ يُمْكِنُنَا إِدَارَةُ الصِّرَاعَاتِ العَائِلِيَّةِ بِطَرِيقَةٍ سِلْمِيَّةٍ؟ وَمَا هِيَ العِبْرَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ نَتَعَلَّمَهَا مِنْ هَذِهِ القِصَّةِ؟